
عدم وجود مأوى ومعيل في ظروف معيشية قاسية
ومعاملة سيئة في بعض المؤسسات تدفع بالإنسان للهروب إلى الشارع وليعبر كل من حولنا دون أن يسأل عن السبب ولا الشعور بقسوة الحياة التي جعلت من الشارع بيتا
يعيش هؤلاء في مجتمعات عربية اسلامية وفي الغرب يمنح الحيوان الجنسية والرعاية الصحية مع ظهور هذه الظاهرة
في انحاء العالم وتقاعس الحكومات وعجزها عن حل هذه المشكلة
شعوب عربية وغنية وذات ثروات مسروقة وأغنياء يجمعون أموالهم في بنوك غربية وطائرات خاصة ومراكب
مجتمع يقبل على الموضة وحفلات الملاهي أكثر من اقباله على الوقوف على معاناة الإنسان ومساعدته
مجتمع الكل فيه يتصارع ليكون اسمه بين الأثرياء
ويتجول في الفنادق
فأصبحنا ننظر للمتسول نظرة احتقار دون أن نفكر بعمل مشاريع له وننظر لليتيم على أنه لقيط وعار
ويتم معاملته على أنه مجرم ويتم تعذيبه على أمر لم يختاره
مجتمعات ترمي فضلات الطعام أكثر مما تأكل
كيف لنا أن نثقف ونتعامل مع عقول بعيدة عن الإنسانية
وهمها من يكسب أكثر من المعاناة التي يعيشها كل هؤلاء
لننام براحة وليحترق العالم مادام صاحب السلطة والمال ينعم بالراحة
وضيفي هو
الدكتور السيد إبراهيم أحمد، رئيس قسم الأدب العربي باتحاد الكتَّاب والمثقفين والعرب
دعني أولا أرحب بك دكتور السيد إبراهيم وأشكرك أيضا على قبول دعوتي للحوار مجددا وأبدأ معك حواري
١ ـ التشرد الصورة السيئة للمجتمعات والتي تمنحنا الوجه الحقيقي لهذه الأمم فمن هو المسؤول؟ وماهي أسبابه؟
أولا أشكر للكاتبة الكبيرة روعة محسن الدندن هذا اللقاء من أجل الحوار حول ظاهرة التشرد، وهو ما يدعوني ثانيا أن أتوجه لسيادتها بالشكر لاهتمامها بمثل هذه النوعية من القضايا المجتمعية والإنسانية..
يجب أن نبرز أولا ما هو المقصود بـ “التشرد” وما يتصل به من مصطلحات تتماس معه وتكون أحد أسباب التشرد، أما التشرد فهو انسحاب فردٍ ما من المجتمع الذي يعيش فيه، هائما على وجهه، لا يعرف له مكان، ولا وجهة يتوجه إليها، ولا يملك سكن. ومن ناحية السكن بل والسكن اللائق هو الذي استدعى أن يتقدم السيد ميلون كوثري بتقريره إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة لجنة حقوق الإنسان في عام 2005م حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والتقرير يهتم بالسكن اللائق كعنصر من عناصر الحق في مستوى معيشي مناسب. لكن سأرجئ الإجابة عن المسؤول الآن، وأنتقل إلى أن هناك أسباب عديدة وراء ظاهرة التشرد يمثل الفقر أهم العوامل التي يتشارك فيها المشردين في كافة المجتمعات سواء الحضرية أو الريفية أو في الدول المتقدمة والدول النامية على السواء، لكن علينا ألا نغفل “العولمة” ونتائجها الاقتصادية الطاحنة للاقتصادات المحلية التي تدمجها بضراوة وقهر في الاقتصاد العالمي.
غير أن أهم الأسباب التي تؤدي للتشرد مرجعها اقتصادي واجتماعي يتمحور حول قلة المعروض من فرص التوظيف، وتسريح العمالة نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية في العالم والتي ستزداد كثيرا بعد جائحة “كورونا” والتي شهد قطاع تصنيع الطائرات، وشركات الطيران والسياحة أول معالمه، والعنف الأسري، والكوارث الطبيعية المناخية، والنزاعات المسلحة والحروب الأهلية، والانفصال بين الزوجين وما يتولد عنه ـ في بعض الأحيان ـ ظاهرة أطفال الشوارع، وغيرها من الكوارث المتعلقة بالتشرد كظاهرة، ومنها، وقد تستغربين حدوثها، في مجتمعاتنا العربية الإسلامية والشرقية المحافظة أن التشرد ليس قاصرا على الذكور؛ فقد أصبح تشرد الإناث ظاهرة استرعت كثير من الدراسات الأكاديمية لتعقبها ومحاولة فهمها والقضاء عليها قدر الاستطاعة.
٢ـ نشاهد أغنياء العرب يتباهون بثرواتهم وبرفقتهم الحيوانات ويتحدثون عن مدى محبتهم لتلك الحيوانات وكم ينفقون عليهم وهو تعبيرا عن رحمتهم وانسانيتهم وبالمقابل أيديهم مغلولة عن معاناة الإنسان العربي فما هو السبب؟
ظاهرة التشرد لا تقتصر على العرب فقط، وقد تدهشين عندما تقرأين أن هناك مشردين في بعض ولاليات أمريكا يصطفون للحصول على قوتهم اليومي كما في ولاية لوس أنجليس وأكثرهم من المسنين الذين يتكئون على عصي وعكازات، وقد تجاوز عددهم ثلاثمائة ألف مسن يعيشون في الشوارع عام 2014، وكل ما وعد به المسؤولون المعنيون بهذه المشكلة هو اتخاذ الإجراءات لمكافحة التشرد، والتعهد بزيادة الإنفاق على الإسكان قليل التكلفة، كما فرضوا حظرا على الجلوس أو الاستلقاء في الشوارع الجانبية وإزالة بعض التجمعات من أولئك المسنين المشردين.
هذا بالطبع ليس دفاعا عن الأغنياء العرب، فلستُ واحدًا منهم على كل حال، الذين ينتمون لحكومات وأنظمة عربية غنية تدفع لبعض الدول العربية الفقيرة التي تعاني من تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية كثير من المعونات التي تصل رأسا إلى جيوب وحسابات أولي الأمر الشخصية، وعليكِ أن تراجعي ملفات الفساد الأسود الذي يلتهم حقوق الفقراء والمهمشين والمشردين، وارجعي إلى أسباب قيام ثورات الربيع العربي الذي يحاول البعض بنعتها بالمؤامرة وكأن الحكام الذين تم خلعهم من قبل الثوار كانوا أمناء على مصالح شعوبهم ولا يستحقون أن ينالوا جزاء سرقاتهم أحلام وأموال ومستقبل الناس في أوطانهم.
٣ـ هل لدينا إحصائيات عن عدد المشردين في العالم بعامة وعالمنا العربي بخاصة؟
بالطبع يوجد أرقام لعدد المشردين من خلال إحصائيات، سأحاول إيجازها: بلغ عدد المشردين في العالم نحو مائة مليون مشرد عام 2005م، كما أن أغلب الإحصائيات تشير إلى أن 20% من المشردين يعانون من إعاقات عقلية وذهنية أو نتاج إقصاء اجتماعي أو عنف منزلي أو كوارث طبيعية. وسأبدأ من أمريكا حيث أشار تقرير صادر في 2019م عن هيئة لوس أنجليس لخدمات المشردين، أن عدد المشردين فى هذه الولاية بلغ ستين ألف شخص، على الرغم من الازدهار الاقتصادي الذي تشهده البلاد. كما تكشف أرقام “الشبكة المشتركة للتشرد والمعلومات” أن 8855 شخصا ناموا في الشوارع في العاصمة البريطانية لندن خلال عام 2018/2019م.
بالنسبة للدول العربية وخاصة عدد المشردين من الأطفال، ولنبدأ من تونس بحسب آخر إحصائيات مندوبي حماية الطفولة أن هناك أكثر من خمسة آلاف طفل يعاني من الإهمال أو التشرد، بينما في مصر تشير دراسة رسمية صادرة عن وزارة التضامن الاجتماعي إلى أن عدد الأطفال الذين ليس لهم مأوى يبلغ حوالي ستة عشر ألف طفل أغلبهم من الحضر، ومعظمهم من الذكور مما يعني أن فيهم إناث. اما بالنسبة لسوريا فتشير تقديرات منظمة “يونيسيف” إلى أن أكثر من مليوني طفل قد تعرضوا للتشرد داخليا ومثل هذا العدد من الأطفال يعيشون لاجئين في البلدان المجاورة، وفي ظروف ليست أفضل كثيرا مما يعاني منه المشردون داخليا. وتحتل المملكة المغربية الترتيب الثاني بعد مصر في عدد المشردين، وعلى الرغم من افتقاد الإحصائيات الرسمية إلا أن بعض الدراسات والإحصاءات غير الرسمية، أفادت بوجود أكثر من 30 ألف طفل مغربي يعيشون في الشارع، فيما يقول المركز المغربي لحقوق الإنسان أنه يوجد قرابة مئة ألف طفل في المغرب يولدون دون هوية أب.. وعليكِ بمراجعة إحصائيات اليمن والسودان والعراق وغيرها من الدول العربية الأخرى لتكتشفي الأرقام الصادمة في أعداد المشردين ومنهم بالطبع المرأة والإناث.
٤ـ كيف يتعامل الغرب مع ظاهرة التشرد مقارنة ببعض الدول العربية؟
يتعامل الغرب مع ظاهرة التشرد من خلال العديد من الوسائل ربما يكمن أهمها في نشرة تصدر من مراكز منع التشرد أو غيرها من الراكز والهيئات تحت مسميات مختلفة، تخاطب من سيواجه التشرد مستقبلا بأن عليه الاتصال برقم معين يجعل له الحق في الالتحاق بهذا المركز والتعامل مع الخبراء فيه من حيث الاهتمام بمشكلته، بل أن بعض هذه الإعلانات الموجهة تحدد اسم الموظفة التي يتوجب عليه الاتصل بها تيسيرا لمهمته. وهذا النظام ـ للأسف ـ غير مطبق في الدول العربية وحتى الغنية منها، مع كونه من أيسر السبل للتواصل مع المشردين، غير أن هذا ربما يكمن في أن البرامج الاجتماعية لمواجهة هذه الظاهرة مكلفة لميزانيات بعض هذه الدول، ولهذا فهي تعالجها بشكل جزئي، وتترك الباقي والأغلب منها للمجتمع والشارع.
٥ـ دور الإعلام في تسليط الضوء على قضايا الشعوب.. فهل الإعلام العربي نجح في تناول ظاهرة التسول؟
الإعلام المرئي لا يتعرض لهذه الظاهرة بشكل بات، لأن الأوامر الصادرة له من حكومة دولته تلزمه وتحذره بالابتعاد عن التعرض لمثل هذه القضايا التي قد تسبب إحراجا للمسئولين، وقد تجلب سخط الشارع عليهم، غير أن بعض الصحف تنشر بعض المقالات عن الموضوع في ركن الأسرة أو الحوادث أو ما شابه، ولا يلتفت لها في الغالب غير قلة من المتعاطفين مع أطفال الشوارع خاصة من المشردين.
٦ـ الهروب إلى الشارع بعيدا عن المؤسسات الاجتماعية التي ترعى بعض المشردين، مؤشر على سوء المعاملة التي تحدث داخل هذه المؤسسات.. فأين الرقابة ومن المسؤول عن هذا ومن يحاسب هؤلاء؟
كثيرا ما تحدثنا عن غياب الرقابة الحازمة داخل تلك المؤسسات، والتي تتبع غالبا وزارات الشؤون الاجتماعية والأسرة والتضامن الاجتماعي؛ فغالبا لا يهتم الإخصائي الاجتماعي بعمله بشكل إنساني، خاصة في الدول التي لا تمنحه الراتب الذي يكافئ ما يقدمه، فيتعامل مع المشردين بشكل فظ وغير إنساني ووظيفي، لكونه يفتقد الرقابة والمحاسبة، وهو ما يؤدي إلى تفضيل المشرد للشارع على المؤسسة، لكن هذا لا ينسحب على كل الدول العربية بشكل عام ولا على كل من يقومون بمهمتهم بإخلاص وتفانٍ.
٧ـ برأيكم ـ وأنتم من المهتمين بهذا النوع من القضايا ـ كيف يمكننا علاج ظاهرة التشرد بالشكل الصحيح مع غياب الدور الحكومي ودور الأثرياء؟
روعة هانم، لا يمكن لغير الحكومة أن تقوم بهذا الدور؛ فهو من أهم مسئولياتها، وإن كان على الجانب الآخر من الحق والإنصاف أن الدول العربية تحاول جاهدة أن تحاصر هذه الظاهرة، على الرغم من أن عددا من الدول المتقدمة والغنية لم تستطع القضاء عليها تماما، ذلك أن الدول العربية في الأساس ملتزمة بقرارات وتوصيات الأمم المتحدة في هذا الشأن، غير أن هناك الكثير من المعوقات الذي تحول دون ذلك، ومن أهمها: ضعف التمويل، قلة عدد المؤسسات الاجتماعية التي تأوي مثل هذه الأعداد الكبيرة والتي تحتاج ميزانيات كبيرة، عدم توافر الكفاءات من الإخصائيين الاجتماعيين الذين يستطيعون الاهتمام بمثل هذه الأعداد من المشردين مع تفاوت مراحلهم العمرية، كما أن الأسباب التي تغذي ظاهرة التشرد مازالت قائمة، ومنها: وجود النزاعات المسلحة في عدد من البلدان العربية، تفشي ظاهرة الفقر نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية، الفشل في وقف العنف الأسري، وهو ما يعني في الإجمال ضرورة تكاتف الدول العربية وأنظمتها مع المؤسسات الأهلية والمنظمات غير الحكومية والدولية والإعلامية والتعليمية والدينية من أجل محاصرة هذه الظاهرة والحد منها على الأقل، ولكن ليس عن طريق ممارسة العنف ضد المشردين بالقمع البوليسي، وهو ما أوصت به لجنة حقوق الإنسان بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي بهيئة الأمم المتحدة من ضرورة الاهتمام بالمشردين وتجريم القوانين التي تتعامل مع المشردين بوصفهم مجرمين وكان الأولى منحهم حقوقهم الإنسانية دون تمييز أو إقصاء أو تهميش.
لك كل الإحترام والتقدير دكتور السيد إبراهيم وتحياتي لكل من يتابعنا
وإلى اللقاء في حوارات جديدة مع ضيوفي
