
نصوص ثائرة :ختام حفيظ الكاتبة المبدعة في هذا الزمن متابعة: مراسل جريدة أحداث الساعة البشير الطبيب – تونس
صار كل شيء باهتا . ضاع المعنى . صارت يداي ضعيفتين . شفافتين . مشققتين . يمكنني أن أشعر بالحياة تتسرب مني . ألا زال قلبي مثقوبا ؟ … كانت الفتاة تكره ما تكونه . تكره طريقتها في التفكير. طريقتها في الحب . كانت تكره عجزها عن الموازنة . تكره تضخم قلبها . تكره أن تكون اثنتين . أن تكون نصفين مشوهين . كان الأمر أشبه بأن تمسك السكين و تشطر قطعة خشب . من يلمد ذرات الخشب التي تناطرت ؟ كيف لنا أن نجزم بأن لصق قطتي الخشب يجعل منهما القطعة التي كانا عليها ؟ كان ذلك – ربما – سبب عجزها عن حب نصفيها . تصلبت شفتاي . نام الغربان تحت عيني . صرت أشد خوفا من أن أمد يدي / أطلب النجدة . لم تعد الفتاة تطمح لشيء . كانت فقط تريد أن يتوقف الصراخ داخلها . أن تصير كالآخرين . كانت تريد أن تملك القدرة على الفرح . على عدم التفكير . كانت تريد أن يتوقف كل شيء عن إيلامها . أن يكف العالم عن فتح الجروح التي أضناها معالجتها . داخلي بركان غاضب أو حزين . لا أستطيع التحديد . كل ما أعرفه هو أن كل ما داخلي يغلي . يشتعل . هو أن عليّ أن أشد جسدي إلى السرير. عليّ أن أحكم ربط يدي و قدمي و قلبي . لأن الصوت داخلي قرر أن علي أن أقفز أو أزحف . كان الزحف يعني ببساطة أن على الفتاة أن ترخي قبضتها عن الوحش. ترك العويل داخلها ينفجر . يحطم كل شيء . كان الزحف انهيارا آخر . لكن الفتاة لم تعد تحتمل ذلك . صار قلبها أضعف . صارت تخاف من البكاء . كان الانهيار متمثلا في أن تذوب . تذوب كليا . ثم تجمّع نفسها ثانية . ما يخيفني هو أنني كلما انهرت ، كنت أضيع أجزاء مني . كنت أسكت أفواه داخلي . أخيط شفاه . أعلم نفسي الكتمان أكثر . أسقط ما كان يميزني . ما يغضبني هو انني صرت أفتقد ما كنته . أنتي صرت نسخة ناقصة من نفسي. القفز ؟ كان القفز ببساطة الفكرة الأشد حكمة . لم تستطع الفتاة تحديد اللحظة التي عاد يها هوسها بالموت . لكنها كانت تعي رجاحة ذلك القرار . كان الموت بالنسبة إليها اختفاء الألم و الصراخ . اختفاء كل ما يزعجها . كان ذلك محوا لكل صفاتها التي تكرهها . كان تحررا أخيرا من وجوهها . كنت دوما أفلح في إقناعي نفسي بالتشبث بالحياة . كنت ببساطة أمرر أنفي على بشرتي و أتلذذ الرائحة. لطالما فتنت برائحتي . رائحتي التي أذابتها الدموع . قل لي . كيف يعيش الإنسان و قد سقط عنه لونه ؟ كيف يحارب ؟ كيف يستمر الانسان في العيش و قد كره رائحته . و قد سقط منه قلب الإنسان. كانت الفتاة تعي استحالة ان تستمر في العيش بهذا القلب المثقوب . هذا القلب العاجز . كانت تريد فقط أن تكون شخصا عاديا . شخصا لا تفتته الكلمات . و لا تبكيه نظرة خاطئة .كانت تريد أن تكون شخصا عاديا ، لا يحضن الجدران حين يحزن لا يحضن الأرض حين يخاف . لا يشمئز من نفسه حين يبكي .
